الشركات متعددة الجنسيات والغزو الثقافيالشركات متعددة الجنسيات والغزو الثقافيمقرها المركزي الولايات المتحدة الأمريكية وتتميز بتعدد وتنوع استثماراتها وعالمية تمويلها وتعتمد علي الأقمار الصناعية واحدث الأجهزة الالكترونية في تنفيذ سياساتها الإعلامية عبر القارات وتحاول السيطرة علي النشاط الثقافي والإعلامي في دول العالم الثالث من خلال استخدام نظم الإعلام الحديثة وتكنولوجيا الاتصال في بث البرامج التي تخدم أهدافها والتي تسهم في خلق أنماط عالمية استهلاكية تؤدي إلي تهديد مباشر للذاتية الثقافية والشخصية القومية من خلال عرض للقيم الأجنبية والتي تتنافي مع قيمنا العربية .
وذلك يؤكد أن هذه الشركات مرتبطة بفكرة العولمة وإنها بذلك يشبه ما كانت تقوم الحكومات الاستعمارية من قبل وبالإضافة إلي ذلك فإنها تسيطر علي عدد كبير من وسائل الإعلام في دول العالم الثالث وتؤدي دورا كبير في تسويق الثقافة الغربية وتداول الإنباء والمنتجات الثقافية والمواد التعليمية وإخضاع واستعباد الثقافات الوطنية .
إن هذه الشركات تهيمن علي السوق العالمية وان هذه الهيمنة تمتد إلي إعداد وتوزيع ناتج الاتصالات الثقافية فأثناء قيامها بتعزيز أهدافها وعدم عرقلة حصولها علي الأرباح تضطر إلي التأثير والهيمنة إن أمكن علي كل مجال ثقافي إعلامي يبعدها عن السيطرة الكاملة علي بيئتها الوطنية. كما سيطرت بعض الشركات الأجنبية علي سوق النشر وتجد منشوراتها رواجا كبيرا في دول أسيا وإفريقيا.
وقد أصبحت صناعة الترفية الأمريكية ثاني اكبر الصادرات واحد المكونات الأساسية في الميزان التجاري ورأي بعض العلماء أن ما يقدم إلي الجمهور وخاصة الأطفال غالبا ما يتنافي مع الأسس التربوية وذلك الأمر يدعونا إلي مزيد من التحكم في برامجنا الإعلامية وعلي الطريق الذي تسير فيه فقد أغرقت المنتجات الثقافية الأمريكية دول العالم الثالث مثل منتجات والت ديزني التي وصلت إلي ملايين المشاهدين والقراء خارج الولايات الأمريكية اعتمادا علي مبدأ التدفق الحر للمعلومات ويعبر بعض العلماء عن القلق الذي ينتاب كل مثقف في العالم الثالث من الغزو الثقافي الأمريكي بالذات ومن الذوبان التي يمكن أن تتعرض له الثقافات الوطنية فالمادة الإعلامية ليست مجرد أخبار ومعلومات وحقائق تقدم بلغات مختلفة وإنما هي أيضا أفلام ومسلسلات تتبني أذواقا ووجهات نظر خاصة تفرضها علي المشاهدين وتخدرهم وتخديرا وتسلب عقولهم فأصبحت دول العالم الثالث أسواقا للمنتجات الإعلامية لدول الغرب الرأسمالي حيث يقوم بتصدير أفكاره بهدف ترويج سلعه ومنتجاته الاقتصادية والعسكرية والثقافية كما أكدت دراسات قام بها علماء أجانب أن بعض شركات الإعلام البريطانية والأمريكية لا تصدر بناها فقط وإنما تصدر الفلسفات التي تنظم سير العمل فيها وتظل أثارها باقية بدرجات متفاوتة في إفريقيا واسيا وأمريكيا اللاتينية .
وبوجود فضائيات أصبحت تنشر ثقافة الاستهلاك والتسطيح والتبسيط والتهميش، وتساهم في اغتراب المشاهدين بدلا من إعطائهم الفرصة وتوفير منبر لهم للمشاركة في الفضاء العام وبناء مجتمع مدني يستطيعون من خلاله أن يعبروا عن همومهم ومشاكلهم. تحولت بعض الفضائيات العربية إلى دكاكين ومقاهٍ للغزل والمعاكسات على الهواء من أجل تحقيق الربح السريع والسهل حتى لو كان ذلك على حساب القيم والمبادئ والأخلاق. بعض المؤسسات الإعلامية تقدم منتجا إعلاميا لا صلة له لا بالقيم ولا بالأخلاق ولا بأي شيء يتناغم مع المنطق والواقع لقد أدى التطور التكنولوجي السريع إلى غزو الفضاء وتقليص المسافات والقضاء على الحدود والرقابة وأصبحت القرية العالمية حقيقة، كما جاء النظام الدولي الجديد ليفرض ثقافة موحدة على العالم، ثقافة أحادية تقودها الشركات المتعددة الجنسية التي تسيطر على المركب الصناعي العسكري الاتصالي.
وهذه الشركات تنشر عبر وسائل الإعلام العالمية الثقافة العالمية التي تنفي الثقافات الأخرى، وتنشر الثقافة التي تخدم أهداف ومصالح هذه الشركات. وجاءت الفضائيات العربية في ظل غياب خطة إنتاجية مدروسة وغياب موازنة معتبرة لتجد نفسها فرعا من فروع هذه الشركات المتعددة الجنسية تعلن عن منتجاتها وتروّج لسلعها وقيمها وأفكارها.
فبدلا من مواجهة الغزو والقيم الدخيلة ونشر الثقافة المحلية والقيم العربية الإسلامية أصبحت القنوات العربية من خلال المنتجات المعلبة وسائل تابعة تدور في فلك آلة إعلامية عالمية تروّج أفكار الأقوى اقتصاديا وسياسيا على المستوى العالمي وأدّت العولمة وسيطرة الشركات المتعددة الجنسية على الصناعات الثقافية إلى ضياع الفضائيات العربية في ثقافة التسلية والتسطيح والتهميش حيث التركيز على البرامج الخفيفة من منوعات وسباق الأغاني ومسابقات وبرامج تهدف إلى سد الفراغ وملء أوقات البث... الخ، كل هذا على حساب البرامج الجادة التي تعالج القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الحساسة والتي تساهم في إشراك الجماهير في الحياة الاجتماعية والسياسية. وكنتيجة لكل هذا غابت المسئولية الاجتماعية في القنوات الفضائية العربية وسيطر البعد التجاري والربحي - الإعلانات - وبعد الولاء السياسي الذي يعمل على ترسيخ النظام وتبريره وتمرير خطابه السياسي بغض النظر عن أي اعتبار آخر. هكذا أدت ثورة المعلومات والثورة التكنولوجية الاتصالية إلى إلغاء الخصوصية الثقافية ونشر ثقافة «الميكي ماوس» و«الهامبرغر»
وجاءت الفضائيات العربية لتعمل جاهدة على البحث عن الربح السهل والكسب الوفير على حساب الشرف والمهنة والأخلاق والمبادئ والقيم الإنسانية. وهكذا نلاحظ ذوبان التراكم القيمي. والمعرفي والاجتماعي للمواطن العربي في الثقافة العالمية. والمتابع للإعلانات التي تبث في القنوات الفضائية يدرك أن معظمها لشركات متعددة الجنسية، ومحتوى هذه الإعلانات يعمل على تكريس ونشر قيم استهلاكية عند المواطن العربي، وهذه القيم قد لا تمت بأية صلة للنمط الاستهلاكي العربي وللثقافة العربية.
مما يعني أن قنواتنا الفضائية بدلا من مواجهة الغزو الثقافي والرد على مظاهر الاغتراب والذوبان في الغير أصبحت قنوات تعمل على نشر القيم الغربية ونشر ثقافة الآخر على حساب ثقافة الأنا. تتمثل السمة الرئيسية للإعلام الفضائي العربي في التبعية والتقليد وأزمة الهوية في غياب التخطيط والدراسات وإستراتيجية ورؤية وموازنة للإنتاج من أجل تقديم مادة إعلامية تعكس هموم ومشكلات المواطن العربي وتقدم له منبرا للحوار والنقاش والمشاركة السياسية والمساهمة في صناعة القرار ، الفضائيات العربية من خلال قنوات الشعوذة والإباحية والرسائل القصيرة الخ أصبحت وسائط للتسطيح والتهميش والتغريب. كما فشلت الفضائيات العربية في مخاطبة الآخر ومحاورته والرد على الحملات الدعائية وحملات التشويه والصور النمطية والتضليل بسبب غياب الإنتاج وغياب المشروع وغياب الإستراتيجية. لا تتوقف مشكلة الإعلام العربي عند حرية وسائل الإعلام نفسها والإنتاج والتخطيط والإستراتيجية وإنما تتعداها إلى تحرير الفرد العربي من القيود العديدة والممنوعات المختلفة التي يعاني منها.